ايها الاخوة والاخوات : المحبة شعور جميل يفرح المرء بها اذا وقعت فى قلوب الناس , وكلما كبر قدر الذى يحبك , ازداد شعورك بالمحبة فرحا وطرت بها لذة ومرحا , واعظم من تطلب محبته هو رب العالمين , وليس العبرة ان تحب انت الله فلا عجب فى ذلك فهو الذى خلقك فسواك فعدلك , ولكن الفوز العظيم ان يحبك الله , فتكون ممن قال الله تعالى فيهم : ((يحبهم ويحبونه)) .
اعظم من تطلب محبته من الناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم :
نعم , ان يحبك رسول الله , ان يحب كلامك اذا تكلمت , ويفرح بفعلك اذا تصرفت , ويأنس بك اذا رآك ويشفع فى العرصات , ويثى عليك فى الجنات , فيكون مظهرك كمظهره وثوبك كثوبه , ولحيتك كلحيته , وكلامك ككلامه .
نعم ليست العبرة ان تحب انت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلا عجب , فهو الذى جاهد لحفظ الدين وقام بحق رب العالمين , ولطالما دعا لك فقال : (( رب امتى امتى )) , وانما الفوز العظيم ان يحبك رسول صلى الله عليه وسلم , فاسألن نفسك الآن : هل لو رآك محمد صلى الله عليه وسلم لاحبك ؟
كان عبد الله بن مسعود رضى الله عنه اذا رأى الربيع بن خثيم رآه حسن الخلق , لين الكلام , رائق الحديث , جميل المعاشرة , كأن أخلاقه أخلاق الانبياء فكان بن مسعود يقول له : يا ابا يزيد والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحبك , ولاوسع لك الى جنبه وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين : نعم , بن مسعود الذى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وعشرين سنة يعرف ماذا يحب النبى صلى الله عليه وسلم وماذا يبغض , يعلم انه يحب من الناس من حَسن خلقه , ورق طبعه وحسنت مجالسه , وهو صلى الله عليه وسلم طيب لا يحب الا طيبا , ولقد حرصلى الله عليه وسلم الاولون على ان يحظوا بمحبته صلى الله عليه وسلم , بل كان صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بما يحببهم اليه , وكان يردد قائلا كما صح عند الترمذى (إن من أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا )
وفى المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال لأشج بن عبد قيس : ( إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله ) , نعم ويحبهم رسوله , فما هما الخصلتنا ؟ قيام الليل ؟ , صيام النهار ؟ استبشر الاشج , وقال : ما هما يارسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( الحلم والإناة ) .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البر كما عند مسلم , قال: ( البر حسن الخلق)
وعند الترمذى انه صلى الله عليه وسلم سئل عن اكثر ما يدخل الناس الجنة , قال : (تقوى الله وحسن الخلق ) , وعند الترمذى قال صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين ايماناً أحاسنهم أخلافاً المواطئون أكفانا , الذين يألفون ويؤلفون , ولا خيرفيمن لا يألف ولا يؤلف ) .
وروى البخارى فى ( الادب المفرد ) انه صلى الله عليه وسلم قال : ( ما شئ أثقل فى الميزان من حسن الخلق ) وعند الترمذى قال صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة قائم الليل صائم النهار), ومن حسن خلقه ربح فى الدارين .
نعم , وان شئت فانظر الى أم سلمة رضى الله عنها وقد جلست مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذكرت الآخرة وما أعد الله تعالى فيها , فقالت : يارسول الله المرأة يكون لها زوجان فى الدنيا فإذا ماتت وماتا ودخلوا الجنة فلمن تكون ؟ فماذا قال صلى الله عليه وسلم ؟ تكون لأطولهما قياماً ؟ أم لأكثرهما صياماً؟ أم لأوسعهما علماً؟ كلا , وإنما قال : ( تكون لأحسنهما خلقا ) فعجبت أم سلمة , فلما رأى دهشتها قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخيرى الدنيا والآخرة ).
نعم و ذهب بخيرى الدنيا والآخرة , اما خير الدنيا فهو ما يكون له من محبة فى قلوب الخلق , واما خير الآخرة , فهو ما يكون له من الاجر العظيم عند الله جل جلاله .
ومهما أكثر الإنسان من الاعمال الصالحات فإنها قد تفسد عليه إذا كان سئ الخلق .